مما استحقوا به اللعن وغضب الله عليهم ما رددوه من افتراءات متتالية:
فقد
افتروا على الله الكذب -كما مر بنا- بتحريف دينه عن علم منهم، أو بالقول
عليه بغير علم، وكلا الخصلتين سوء وظلم، ونضيف إلى تلك الافتراءات أنهم
جعلوا لله ولداً -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- فقالوا: عزير هو
ابن الله (وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة:30).
من
أسباب لعنهم: كثرة افتراءاتهم، وأنهم لا يتورعون عن قذف أطهر الناس بأفحش
الصفات حتى آذوا الأنبياء بهذا، وفيما يسمى "العهد القديم" من ذلك مخازٍ
كُثْرٌ منسوبة لأنبياء كرام مثل: نوح ولوط -عليهما السلام- وغيرهما، وكذلك
ما نسبوه لمريم الطاهرة حيث بلغ من إثمهم أنهم كذبوا عليها فرموها
بالفاحشة النكراء -والعياذ بالله-، وهي الطاهرة العفيفة التي اصطفاها الله
وطهرها وفضلها على نساء العالمين، وسجل القرآن ذلك: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا)(النساء:156).
ومن افترائهم على الله وتهاونهم بأمره -تعالى-؛ ما كان من جرأتهم على أنبيائه، فهم قتلة الأنبياء كما قال -تعالى-: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)(آل عمران:181)، فقتلوا زكريا ويحيى -عليهما السلام-، وادعوا قتل المسيح -عليه السلام-، قال -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ
إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا
قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(النساء:157-108)،
وفي تلمودهم المكذوب يؤكدون على أنهم قتلوه وصلبوه حيث يقولون: "أخيراً
لقي ميتةً حقيرةً بشنقه على صليب في ليلة عيد الفصح اليهودي، وذلك عقاباً
له على جرائمه وعقوقه".
وحاولوا اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهنا دعنا نمر على بعض تلك المحاولات الآثمة وأبرزها:
أ- محاولة يهود بني النضير قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- بإلقاء صخرة عليه وهو جالس إلى جنب جدار بيت من بيوتهم.
ب-
محاولة قتله -صلى الله عليه وسلم- بالسحر على يد الساحر اليهودي لبيد بن
الأعصم، وقد وردت هذه القصة في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله تعالى
عنها-.
ج- محاولة قتله بالسُّم، وجاءت هذه القصة في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
ومن
أسباب لعنهم أيضا أنهم اعتدوا في السبت الذي حرم الله عليهم العمل فيه
فاجتهدوا في المخالفة والاستهزاء، وكان منهم أصحاب القرية، ومنهم من مسخه
الله -تعالى- قردة وخنازير، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)(البقرة:65).
ومن
أسباب لعنهم أيضا أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعظموها حتى عبدوها من
دون الله -تعالى-، فبدلا من أن تكون مكانا للعبادة والطاعة إذا بهم
يحولونها إلى مقر للشرك والفتنة والصد عن سبيل الله، وعليهم بذلك إثم من
اقتدى بهم وتشبه بأحوالهم ممن جاء بعدهم؛ فقد روى الإمامان البخاري ومسلم
في صحيحيهما من حديث عائشة وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا: (لَمَّا
نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً
لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ،
فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. يُحَذِّرُ
مَا صَنَعُوا) متفق عليه.
فتلك إذن بعض أسباب لعنهم.. ولعن من تشبه بهم وركن إليهم، وفعل مثل ما فعلوا.
هم
استحقوا اللعن بأسباب فلم يظلمهم الله -تعالى-، ولم يظلمهم المسلمون، بل
وفوا لهم وأدوا ما عليهم؛ فلم يجدوا إلا الخيانة والأذى، فلا يلدغ المؤمن
من جحر مرتين.
ونحن هنا نذكر ذلك
ليس معاداة لجنسهم -فقد استوعبت حضارتنا من أسلم منهم-، وإنما نذكر ذلك
لنعتبر، ولنعلم أنهم لم يلعنوا لذواتهم وإنما بسبب ما اقترفوه لنأخذ الحذر
من تلك الخصال وننتبه لكيدهم، وظلمهم.
فلنحذر من كيدهم، ولنبتعد عن خصالهم، تكن لنا السلامة والخير في الدنيا والآخرة.