ماذا تعرفعن مسلمي البوسنة والهيرسك ...؟
مسلمو البوسنة خليط من الإليريين القدماء والسلاف الوافدين للبلقان والبوشناق
بينهم أقلية عربية
سراييفو: عبد الباقي خليفة
لم يتمكن الباحثون في التاريخ البوسني من تحديد هوية البوسنيين الحقيقيين، وما إذا كانوا من «الاليريين» سكان البلادالاصليين الذين استقروا في المنطقة منذ الالفية الثانية قبل الميلاد، أو هم منالسلاف الوافدين للبلقان في القرن التاسع الميلادي مثل الصرب. إلا أن المؤكد أنالهجرات والغزو الذي تعرضت له منطقة البلقان منذ الامبراطورية الرومانية مرورابالاضطهاد الكنسي الذي مارسه بابا الفاتيكان عبر مرسوم سنة 1200 الذي طالب فيهبالقضاء بحد السيف على الكنيسة البوسنية (البوغميلية).
وشن بابا الفاتيكان فيذلك الوقت عدة حملات، من أشهرها حملة 1217 و1221 و1235 وظلت المحاولات مستمرة مدة 120 سنة تمكنت فيها الكنيسة الكاثوليكية من تحويل عدد كبير من البوسنيين إلىالكاثوليكية بقوة السيف. ثم جاء الغزو الاكبر في 1363 لمحاربة ما وصف بالهرطقة وقتها في البوسنة.
وفي عام 1408 تعرضت البوسنة لحملة عسكرية بابوية جديدة أمرعلى أثرها الملك سيغموند بقتل من وصفهم بالمتمردين البوسنيين «ذكورا وإناثا كباراوصغارا» مما دفع الملك البوسني هيرسك هرفوي إلى الاستنجاد بالعثمانيين الذين لبواالنداء وألحقوا هزيمة منكرة بالغزاة سنة 1415. وكان ذلك النصر الثمين للعثمانيين،مقدمة لدخولهم البوسنة سنة 1463، حيث دخل البوسنيون في الاسلام أفواجا بمحضإرادتهم، بعد أن أعلن السلطان محمد الفاتح في مرسوم شهير حرية العبادة لجميع سكان البوسنةوحماية أماكن العبادة للمسيحيين، وهو ما شجعهم على الدخول في الاسلام طواعية، بعدأن عرفوا معنى التسامح الذي لم يشهدوه في تاريخهم الطويل، ولم يشهدوه بعد خروجالعثمانيين من البوسنة سنة 1878 إثر توقيع اتفاقية برلين الشهيرة.
لا شك أن البوسنيين المسلمين يمثلون خليطا من السكان الاصليين والوافدين على مر العصور بمنفيهم السلاف، حتى أن بينهم عددا قليلا من العرب يطلق عليهم «عربجيتش» من بينهم السفير البوسني الحالي في ليبيا. لكن الغالبية العظمى منهم من البوشناق، والذينيمثلون نسبة أعلى من العرب في الدول العربية، بل من الفرنسيين في فرنسا، والبريطانيين في بريطانيا، والايطاليين في ايطاليا، بل حتى الاتراك في تركيا. كمادخل في الاسلام عدد كبير من الصرب والكروات، لا يزالون يحتفظون حتى اليوم بألقابهم العائلية مثل برانكوفيتش وفيليبوفيتش وكاريتش وميخائلوفيتش وغيرهم، وهؤلاء اختلطوا بالبوشناق وتصاهروا معهم وهم من بين أكثر المدافعين عن البوسنة والاسلام حتى اليوم. ومثل دخول العثمانيين للبوسنة مرحلة توقف المذابح في البوسنة، وانتشار الاسلام على أوسع نطاق. وقد أثار اعتناق البوسنيين للاسلام تعجب الكثيرين، لا سيما أن العثمانيين سمحوا لهم بممارسة دياناتهم، وهناك روايات تفيد بأن أتباع الكنيسة البوسنية المتهمة بالهرطقة من قبل الفاتيكان آنذاك، اعتنقوا الاسلام فور دخول العثمانيين لمدينة ياييتسا سنة 1463، منهم 36 ألف عائلة دفعة واحدة، وذلك أمام السلطان محمد الفاتح. وفي سنة 1470 أسس العثمانيون مدينة سراييفو عاصمة البوسنة حاليا، وأدى ذلك لانتشار أوسع للاسلام بين الصرب والكروات الذين قدموا للبوسنة منأجل العمل لدى الاتراك واستوطنوا البوسنة بعد ذلك. وسرعان ما تبوأ المسلمون الجددمناصب رفيعة جدا في الدولة العثمانية في وقت قياسي مما يؤكد حقيقة دخولهم فيالاسلام بقناعة تامة دون اكراه. وقد كان تسعة من كبار الوزراء في الاستانة باسطنبول من البوسنة، وظلت تلك المكانة محفوظة على مدى 67 عاما. وقد شغل اثنان من القادة البوسنيين منصب الصدر الاعظم في ظل حكم السلطان سليمان القانوني، وكان أول بوسني يتولى هذاالمنصب روسترن باشا أو بوكوفيتش سنة 1544، وآخرهم مراد كوجونسي سنة 1611، أماأشهرهم فهو محمد باشا سوكولوفيتش، الذي يعتبر أعظم صدر أعظم عرفه تاريخ الخلافة العثمانية. كما شارك البوسنيون بحماسة في الحروب التي خاضتها الخلافة العثمانية في القارات الثلاث، منذ الفتح وحتى سقوطها سنة 1924.