ولكن
القوم يشعرون بجرح كرامة من أن كل من تستر نفسها بأي درجة من الستر وكأنها
تضع أمامهم الحقيقة التي لا يريدون لأنفسهم أن تفيق عليها؛ بل يكرهون أن
ينبههم أحد إليها ولو بالسلوك الصامت، ومن هنا كان تصرف قوم لوط وقولهم: (أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)، ومن هنا قالت العرب في أمثالها: "ودت الزانية لو زنت النساء جميعًا".
ولذلك
لا يكاد الفرد الغربي يطيق أن يرى الحجاب على الرغم من أنه داخل في حدود
الحرية الشخصية التي يزعمون الإيمان بها، والتي يتضح في كل محك أنها حرية
الكفر والفسق وفقط، لو أن الغرب لم يكن يرى في الحجاب إلا أنه ستر لصاحبته
ربما كان تعامله معه أهون من ذلك، ولكنهم يرون فيه "تعرية" لواقعهم
"العاري" أكثر من كونه سترًا لصاحبته.
إن الموقف الغربي من الإسلام عامة ومن الحجاب خاصة موقف عام صنعه الساسة، والإعلام
لا يستثني من ذلك إلا قلة من العقلاء ينتهي الأمر بمعظمهم إلى الدخول في
الإسلام كما ذكرت بعض الصحف أن الأخت "مروة" -رحمها الله- كانت سببًا في
إسلام إحدى صديقاتها؛ ولذلك كان من العجب أن يسارع البعض إلى التطوع بوصف
هذا الحادث بالفردي، مع أن طاقم حراسة المحكمة بأسره كان متواطئًا، ولن
أبالغ في نظرية المؤامرة فأقول إنهم كانوا على علم مسبق بالأمر، ولكن يكفي
أنهم في قرارة أنفسهم كانوا يرونها تستحق ما حصل لها، أو على الأقل لم
يجدوا أن جرم صاحبهم يرقى إلى أن يضرب في يده أو قدمه بطلقة تحجزه أو
تمنعه من تقطيع تلك المرأة الضعيفة إربًا، ولكنهم وجدوا أن الأمر يستدعي
أن يضرب زوجها بطلقات كادت تودي بحياته؛ لمنعه من منع الجاني!
فإذا لم يكن ذلك الحادث جماعيًّا يُسأل عنه مجتمع بأسره فمتى يكون جماعيًا إذن؟
ثم
هب أن الحادث فرديًّا أفلا ترك ذلك لهم ليعتذروا؛ كما تطالب بلاد المسلمين
قاطبة بالاعتذار عن أي حادث مهما كان فرديًّا، وربما دفعت الشعوب
الإسلامية ثمن اختيار خاطئ لبعض أبنائها، والذي غالبًا ما يكون خطأ في
محاولة رد عدوان، وليس في بدء عدوان؟
على
الغرب أن يعترف أن التطرف صناعتهم الأولى، وأن الإرهاب الرسمي والشعبي
بضاعتهم المفضلة، وأن هذه الأمور عند المسلمين ليست إلا انعكاسًا لنظيرتها
في الغرب، ولم يبقَ أمام بائعي الوهم إلا أن يعتذروا عن الوهم الذي طالما
باعوه لنا في صورة الرجل الغربي المسالم؛ الذي ما جاء قديمًا ولا حديثـًا؛
إلا ليعمر بلادنا أو يستعمرها، وإذا ذهبنا عنده استقبلنا بالورود!
فالرجل
الغربي لم يأتِ إلينا إلا مستخربًا، وإذا ذهبنا إليه كان شعارهم: "عد إلى
وطنك أيها العربي"، أو: "أخرجوا المحجبات من ديارنا"، أو باختصار: "أخرجوا
المسلمين من ديارنا إنهم قوم يتطهرون"!!
إلى أن وصل الأمر أن يرسلوا لنا أبناءنا وبناتنا في توابيت!
لقد
قـُتلت الأخت "مروة" غدرًا وغيلة، نسأل الله أن ينزلها منازل الشهداء، وأن
يجعل دماءها سببًا لانتشار الإسلام والحجاب في أوروبا أكثر، وهو أمر متوقع
-بإذن الله-؛ فإن النفسية الأوروبية نفسية "تراجيدية" تستهويها التضحيات،
وتعلو الفكرة عندهم بمقدار بذل أصحابها من أجلها، والمسلمون أهل لكل بذل
وتضحية.
ولقد
أصيب زوجها دفاعًا عنها فقدَّم دليلاً عمليًّا آخر على كرامة المرأة
المسلمة على زوجها وأبيها وأخيها إلى الدرجة التي يجعله الشرع فيها شهيدًا
إن مات دون عرضه: (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
إن
الحجاب الذي يحاول الغرب أن يصوره علامة على استعباد من الرجل لزوجته؛ ليس
إلا علامة على أن المرأة المسلمة جوهرة مصونة عند ذويها؛ وإلا فهل يموت
أحد فداء عبيده؟! نسأل الله أن يشفيه ويعافيه، ويلهمه الصبر.
إن
الجموع المسلمة التي خرجت لجنازة الأخت "مروة"، والتي لم يكن لهم سابق
معرفة بها لعنوان على أن المجتمع المسلم ما يزال فيه -بحمد الله- دماء
نابضة رغم كل محاولات المسخ والتغريب.
عزاؤنا
إلى كل هذه الجموع، وعلى رأسهم أهل الراحلة وذويها: "لله ما أخذ ولله ما
أعطى وكل شيء عنده بمقدار، فلتصبروا ولتحتسبوا".
وأخيرًا:
فأمة الإسلام هي الأمة المحبة للخير للعالم لا تحمل حقدًا لأحد، وإن
عداءنا للكفر والكفار هو لكفرهم وأعمالهم؛ فإذا تركوا ذلك صارت العداوة
مودة، حتى ولو كانوا قتلوا منا من قتلوا.
[size=16]ولذلك فسوف نستمر ندعوهم:
إلى الإسلام... إلى التوحيد... إلى العفة... إلى الحجاب... نعاديهم لترك
الحق، ويزداد عداؤنا عندما يعتدون على حرماتنا، ويزول كل ذلك عندما يعودون
إلى الحق: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) (الممتحنة:7).
منقوووووووووووووووووووول