مؤهلات النصر في جيل الصحابة
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا
و بعد ..
إن
كل أمة تعتز بتاريخها و تفخر ببطولات أبنائها و رجالاتها و إن أحق أمم
الأرض بهذا الاعتزاز و الفخار هي الأمة الإسلامية لما أنجبته على طول
تاريخها من رجال و أبطال يقف التاريخ أمام صفحات بطولاتهم وقفة إعزاز و
فخر و ليس هذا فحسب بل لشهادة العزيز الغفار قال سبحانه و تعالى " كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ "
فسبحان من قدمنا على الناس وسقانا من الإسلام أروى كأس و جعل بيننا أفضل نبي رعا و ساس وقال لنا كنتم خير أمة أخرجت للناس .
و
إن كل أمة قادة و رموزا يمثلون قيمة و يوجهون الأمة ليصعدوا بالناس إلى
القمة ويبلغوا بها درجات الجنة فإن قادة و رموز المجتمع المسلم هم صحابة
النبي صلى الله عليه و سلم ، من نقتهم المحن ، و محصتهم الفتن ، الذين
وضعوا أيديهم في يد النبي صلى الله عليه و سلم حتى ارتفعت راية الإسلام
خفاقة و انتشر الإسلام في ربوع الأرض فمن رام الرفعة و العزة استهدى
بهديهم و اتبع طريقهم.
وهذه جملة من المؤهلات التي أهلت الصحابة – رضي الله عنهم – لقيادة البشرية على سبيل الاختصار لا الحصر :
1- تعظيمهم لأمر الله عز و جل و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم :-
كان الصحابة – رضي الله عنهم – يسارعون إلى تنفيذ أوامر الله عز و جل و أمر رسوله صلى الله عليه
و سلم عملا بقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ
اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ " ( الأنفال20 )
و قوله عز و جل " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً " ( الأحزاب 36 )
فهذا موقف الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – و استجابتهم لأمر الله عز و جل و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم و خروجهم إلى حمراء الأسد في صبيحة يوم أحد و قد دعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم للخروج فخرجوا على ما بهم من جراح و ألم تعظيما لأمر الله عز و جل و أمر رسوله صلى الله عليه و سلم و سجل الله عز و جل لهم ذلك الموقف في كتابه الخالد في سورة آل عمران .
2- صدقهم – رضي الله عنهم – في إيمانهم و أقوالهم و أعمالهم :-
و
قد وصف الله عز و جل المهاجرين الكرام بالصدق ، فقال تعالى " لِلْفُقَرَاء
الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " ( الحشر 8 )
و نزل فيهم – رضي
الله عنهم – قوله تعالى " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً " ( الأحزاب 23 )
و
لا نستطيع أن ننسى موقف أنس بن النضر رضي الله عنه يوم أحد و قوله لسعد بن
معاذ الجنة و رب النضر إني أجد ريحها من دون أحد قال سعد : فما استطعت يا
رسول الله ما صنع ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه : فوجدنا به بضعا و
ثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به
المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه .
3- زهدهم في الدنيا و رغبتهم في الآخرة :-
إنما
سبق الصحابة رضي الله عنهم بقوة يقينهم بالآخرة الباقية و زهدهم في الدنيا
الفنية قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه للتابعين لأنتم أكثر عملا من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لكنهم كانوا خير منكم كانوا أزهد في الدنيا و أرغب في الآخرة
تصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فراش رسول الله صلى الله عليه
و سلم فتقول " كان ينام أدما حشوه ليفا " متفق عليه وهذا عمر رضي الله عنه
و هو خليفة المسلمين يرقع ثوبه و ينام على ظنفة رحله متوسدا الحقيبة و
يقول هذا يبلغني المقيل.
4- شجاعتهم النادرة و استهانتهم بالحياة الدنيا :-
و كأن صحابة النبي صلى الله عليه
و سلم تمثلت لهم الآخرة و تحلت لهم الجنة بنعمائها كأنهم يرونها رأي العين
فطاروا إليها طيران الحمام الزاجل لا يلوي شيء و تعددت صور شجاعتهم فهذا
عمير بن الحمام يوم بدر يقول " بخ بخ إنها الحياة الطويلة إن أنا بقيت إلى
أن آكل تلك الثمرات وألقاها من يده ثم قاتلهم حتى قتل ".
وفي
يوم اليمامة أغلقت بنو حنيفة أنصار مسيلمة الكذاب الباب عليهم و أحاط بهم
الصحابة فقال البراء بن مالك : يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة
فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرمح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها فلم يزل
يقاتلهم دون بابها حتى فتحه و دخل المسلمون الحديقة من حيطانها و أبوابها
يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة حتى خلصوا إلى مسيلمة – لعنه
الله – 5- قطع حبال الجاهلية وموالاة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه
وسلم والمؤمنين :
كان
الواحد من الصحابة بمجرد أن يدخل الإسلام يجتهد كل الاجتهاد أن يقطع حبال
الجاهلية و أن يخلع على باب هذا الدين مل ماضيه بما فيه من سوءات وظلمات
فهذا عبد الله بن أبي سلول يستأذن النبي صلى الله عليه و سلم بأن يأتي برأس والده رأس المنافقين و هذا حنظلة بن أبي عامر يطلب من النبي صلى الله عليه و سلم قتل أبيه لما آذى الرسول صلى الله عليه و سلم والمسلمين فينهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما نهى عبد الله بن أبي بن سلول .
6- استهانتهم بزخارف الدنيا وزينتها الجوفاء :
علم الصحابة – رضي
الله عنهم – حقارة الدنيا وزيف زخارفها فاستهانوا بها فلم تبهرهم الأضواء
و لم تشغلهم الشهوات ، و ما موقف الصحابي الجليل ربعي بن عامر يوم
القادسية عنا ببعيد حين دخل على رستم و قد مزق